05 يناير 2011

التاريخ يعيد نفسه ... صدق العلامة ابن خلدون ورب الكعبة




جاء في الجزء الثاني من كتاب مقدمة ابن خلدون : " لقد يقع في الدول اضطراب في المراتب من أهل هذا الخلق ( يقصد به الأنفة والاعتزاز بالنفس ) ، ويرتفع فيها كثير من السفلة وينزل كثير من العلية بسبب ذلك‏ ، وذلك أن الدول إذا بلغت نهايتها من التغلب والاستيلاء انفرد منها منبت الملك بملكهم و سلطانهم ، ويئس من سواهم من ذلك ،‏ وإنما صاروا في مراتب دون مرتبة الملك وتحت يد السلطان و كأنهم خولٌ له ( أي أعوان وخدم ) .
فإذا استمرت الدولة وشمخ الملك تساوى حينئذ في المنزلة عند السلطان كل من انتمى إلى خدمته وتقرب إليه بنصيحته واصطنعه السلطان لغنائه في كثير من مهماته ،‏ فتجد كثيرا من السوقة يسعى في التقرب من السلطان بجده و نصحه ، ويتزلف إليه بوجوه خدمته و يستعين على ذلك بعظيم من الخضوع والتملق له ولحاشيته وأهل نسبه‏ ، حتى ترسخ قدمه معهم ، وينظمه السلطان في جملته ، فيحصل له بذلك حظ عظيم من السعادة ، وينتظم في عدد أهل الدولة ‏.‏
وناشئة الدولة حينئذ من أبناء قومها الذين ذللوا صعابها ، ومهدوا أكنافها مغترين بما كان لآبائهم في ذلك من الآثار ، وتشمخ به نفوسهم على السلطان ويعتدون بآثاره ، ويجرون في مضمار الدالّة بسببه ، فيمقتهم السلطان لذلك و يباعدهم‏ ،‏ ويميل إلى هؤلاء المصطنعين الذين لا يعتدون بقديم ولا يذهبون إلى دالة ولا ترفع‏ ، إنما دأبهم الخضوع له والتملّق والاعتمال في غرضه متى ذهب إليه ، فيتسع جاههم وتعلو منازلهم ، وتنصرف إليهم الوجوه‏ والخواص بما يحصل لهم من ميل السلطان والمكانة عنده .
ويبقى ناشئة الدولة فيما هم فيه من الترفع والاعتداد بالقديم لا يزيدهم ذلك إلا بعدا من السلطان ومقتا ، وإيثارا لهؤلاء المصطنعين عليهم إلى أن تنقرض الدولة‏ ،‏ وهذا أمر طبيعي في الدول‏ ، ومنه جاء شأن المصطنعين في الغالب‏‏ و الله سبحانه وتعالى أعلم و به التوفيق لا رب سواه‏ " هكذا قال ابن خلدون ، ولربما أعاد التاريخ نفسه .‏ ‏
من الحكم الفرنسية : اعلم أن كل متملق يعيش على حساب من يصغي إليه .
وقال الشاعر علي بن مقرب :
لا تركنن إلى من لا وفاء له *** الذئب من طبعه إن يقتدر يثب 

ليست هناك تعليقات: