11 يناير 2011

فما في النار للظمآن ماء



قلمي يتلفت يمنة ويسرة ، حائرا في عالم اختلطت فيه الموازين والمفاهيم ، عالم تم فيه تخوين الأمين ، وتأمين الخائن ، ونصبت فيه مشانق لأصحاب الرأي ، وسلطت عليهم كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية لمتابعة ما يكتبون وينشرون ، ولو استطاعوا لأحصوا أنفاسهم ، ومنعوا عنهم الهواء والماء ، وكل وسائل الحياة الكريمة .
عاندت قلمي ، وأجبرته على كتابة ما يجول في خاطري ، فصرخ في وجهي ، وقال هل تريدني أن أكتب وقد اغتيلت الكرامة ، وانحدرنا في مستوى الحريات إلى درجات غير مسبوقة ، وكل ذلك بفضل حكومة حرصت على تكميم الأفواه ، ومطاردة أصحاب الفكر الحر ، وترديد اسطوانة ( دولة القانون ) متى ما أرادت .
إعلامنا الرسمي وغير الرسمي ، إلا ما ندر ، بات يشوّه الحقائق ، ويتعامل مع مشعوذي السياسة وتجار الدين والوطنية والليبرالية وحقوق الإنسان ، ويعلي شأنهم في البرامج الحوارية ، بينما يقبع في السجن عباقرة من أمثال ( الدكتور عبيد الوسمي ) .
أرجوك اتركني ، هكذا قالها قلمي بكل صراحة ، فنظرت إليه نظرة المعاتب ، فطأطأ رأسه ونزلت من عينيه دمعة قهر على حقوق إنسان انتُهِكَت ، وكرامة لم ينتفض لها من كان يفترض بهم أن ينهضوا للدفاع عنها ، وأَجْلَبوا عليها بخيلهم ورَجِلِهم ، حماية لرئيسهم وسيدهم ورب نعمتهم ، وماذا يضيره لو اعترف بخطئه بل خطيئته بادىء الأمر ؟ دون تبرير أو تلفيق أو قلب للحقائق ، ماذا يضيره لو اقتص من المتسبب الحقيقي فيما حدث ؟
ماذا يضيره لو طبق قانون المرئي والمسموع بصيغته الحالية دون سعي للمزيد من التضييق على الحريات ، ماذا يضيره لو سعى للقيام بدوره في الحفاظ على الأمن الاجتماعي ، وإيقاف خطابات الكراهية ، وزرع بذور الطائفية والفئوية ، وصلب البشر فوق الطاولات المستديرة ، وبدم بارد من مذيعي سنة أولى إعلام ، وكتاب وسياسيين عافتهم ألسنتهم وطلقتهم أقلامهم بالثلاث وهربت منهم ( كيبورداتهم ) هلعا مما يكتبون ويكذبون ، مجموعة من البشر يمتهنون تزوير التاريخ ، وهي مهنة لها سوق رائجة هذه الأيام في القنوات الفضائية والمنتديات الإلكترونية ، مهنة لا تحتاج لأي مهارة سوى ترديد كلمات مثل : هؤلاء مؤزمين ، نريد تنمية ولا نريد استجوابات ، هؤلاء يريدون رأس الرئيس .
لقد نسوا أو تناسوا أن المسألة مسألة كرامة ، والقضية قضية حريات ، وهي قضايا لا تقبل القسمة على اثنين ، ولكنهم لا يعرفونها ، أو فقدوها ليلة أربعاء ذات خمارٍ أسود ، وصدق الشافعي حين قال : فما في النار للضمآن ماء .


تم نشر المقال اليوم في جريدة الراي الكويتية
http://alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=249234&date=11012011

ليست هناك تعليقات: