04 يناير 2011

الزبرقان وحطيئة الزمان


اشتكى أحد سادات بني تميم وهو الزبرقان بن بدر للخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن الحطيئة هجاه بأبيات منها :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وعندما سمعها عمر قال للزبرقان : ما أسمع هجاءً ولكنه عتاب ولا أرى به بأسا ، المهم أن الزبرقان شاعر متمرس ويعرف المعاني المدفونة في الهجاء ، ويعلم يقينا ما تعنيه تلك المعاني من التشهير به لو اشتهرت على ألسن الناس ، وخصوصا أن الشعر كان يعتبر القناة الإعلامية الأقوى في ذلك الزمان ، ولربما كانت الوحيدة في تلك العصور ، فهو الصحيفة اليومية وهو الإذاعة وهو القناة الفضائية وهو موقع الانترنت ، كل ذلك في قالب إعلامي واحد .
وتحت إصرار الزبرقان على موقفه أن تلك الأبيات تتضمن هجاءا ، استعان عمر بحسان بن ثابت - رضي الله عنه - لخبرته بمعاني الشعر ، فأصدر حسان رأيه المحايد في الأمر قائلا : لم يهجه ولكنه سلح عليه ( أي بال عليه ) ، وبلغة عصرنا فقد مسح فيه البلاط ، وفرك خشته بالأرض ، بأسلوب فيه من التورية والإيحاء ما فيه .
الغريب أن الزبرقان بن بدر كان قد أكرم الحطيئة وجعله جاره ، ولكن أحد خصوم الزبرقان أغرى الحطيئة بأن يلحق به ويهجو خصومه ، و الحطيئة كشاعر مرتزق مأجور كحال بعض كتاب الصحف وبعض القنوات الإعلامية يلهث وراء من يدفع أكثر ، دون اعتبار لكرامات الناس ، أو اعتبارات الجيرة والعشرة أو حسن الخلق .
تروي كتب الأدب أن الحطيئة كان بذيء اللسان ، رقيق الدين ، وتلك الأخلاق ليست بغريبة عليه ، ولست أستغربها من أمثاله في كل زمان ومكان ، فهو دعي فى نسبه ، وكان سفيها حاقدا على المجتمع ، حتى وصلت به الحال أن هجى نفسه بعد هجائه لزوجته وأمه وأبيه عندما قال ذات يوم :
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما *** بسوء فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها قبح الله خلقه *** فقبح من وجه وقبح حامله !!
قال الإمام الشافعي :
إذا نطق السفيه فلا تجبه *** وخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه *** وإن خليته كمدا يموت

ليست هناك تعليقات: